إدارة البياناتمقالات

حوكمة ومشاركة البيانات الصحية

بين تجربة المملكة المتحدة وخطوات المملكة العربية السعودية

نشرت الخدمات الصحية الوطنية البريطانية (NHS) في مايو ٢٠٢١ عزمها على إطلاق مشروع يحمل اسم General Practice Data for Planning and Research (GPDPR) والذي سيمكن من إتاحة البيانات الصحية لما يقارب من ٦١ مليون شخص في إنجلترا لأطراف خارج الخدمات الصحية وذلك لغرض البحث والتطوير. ومن المتوقع أن تشمل قاعدة البيانات التي سيتم مشاركتها على بيانات متعلقة بالصحة النفسية والجسدية والجنسية للأفراد المتواجدين بإنجلترا بالإضافة لمعلومات عن تاريخهم المرضي وخلفيتهم العرقية ومعلومات عن الموظفين الذين قدموا الرعاية الصحية لهم.

أهداف المشروع

ويهدف هذا المشروع لفهم وتطوير الخدمات الصحية ورفع كفاءتها وفهم العديد من الظواهر الصحية وتطوير حلول لها من خلال إتاحة بيانات ومعلومات المرضى لجهات تجارية وبحثية خارج المنظمة الصحية. على سبيل المثال:

  • سيتم إتاحة بيانات الأشخاص الذين تمت إصابتهم بفايروس كورونا ١٩ والتاريخ المرضي الخاص بهم للباحثين وذلك لفهم التأثير البعيد المدى للإصابة وطرق تقليل المخاطر عليهم وتحسين طريقة التعامل مع الجوائح المستقبلية.
  •  سيتم إتاحة البيانات المتعلقة بجدولة المرضى وكفاءة الرعاية الصحية المقدمة لهم وبيانات السعة الاستيعابية الخاصة بالوحدات الصحية للجهات الاستشارية للاستفادة من البيانات برفع كفاءة وجودة الرعاية الصحية المقدمة.
  • إتاحة بيانات التاريخ المرضي للأفراد والأدوية المقدمة لهم والمضاعفات التي حدثت على المدى الطويل لشركات الأدوية وذلك بغرض تطوير أدوية ولقاحات للعديد من المشاكل الصحية.
  • توفير بيانات المرضى أيضاً سيساعد في رفع كفاءة استهداف وتوظيف الأشخاص في تجارب البحوث السريرية (clinical research trials).
  • تحليل بيانات المرضى، أعراقهم، خلفياتهم الاجتماعية والتعليمية، تاريخهم المرضي والرعاية الصحية المقدمة لهم لمعرفة إذا كان هناك عدم مساواة في تقديم الرعاية لفئة معينة أو انتشار أمراض معينة لمجموعة معينة من الأفراد.

ومن المقرر مشاركة البيانات بطريقتين: ١- تجميع البيانات في قاعدة بيانات مؤمنة وإتاحتها للجهات الخارجية للدخول عليها بعد الموافقة على طلبهم أو ٢- مشاركة/ إرسال بيانات محددة للجهات. وأوضح نظام الرعاية الصحي (NHS) أن هناك آلية واضحة للحصول على البيانات وشفافية لكافة الاجتماعات التي ستقرر من سيحصل على البيانات وتدقيق (audit) دوري عليهم.

المخاوف والتحذيرات

وكان من المزمع البدء بتطبيق المشروع في يوليو ٢٠٢١ ولكن تم تأجيله لسبتمبر من نفس السنة لوجود العديد من المعارضات والقلق حيال تطبيق المشروع. وعلى الرغم من أن نظام الرعاية الصحي أتاح للأفراد الحق في عدم مشاركة بياناتهم في هذا المشروع والتأكيد على أنه سيتم إخفاء هوية أصحاب البيانات وإزالة أي بيانات شخصية وانه لن يتم إتاحة البيانات لأغراض تسويقية أو لشركات التأمين، إلا أن معارضين هذا المشروع أكدوا أن هذا المشروع يعتبر خرق واضح لخصوصية البيانات وبالذات للائحة الأوربية العامة لحمايات البيانات الشخصية (General Data Protection Regulation). ويأتي قلق المعارضين حيال هذا المشروع خصوصاً بعد فشل النظام الصحي في إطلاق مشروع مشابه في ٢٠١٣ تحت اسم Care.Data والذي تم تعليقه في ٢٠١٤ ومن ثم وأده في ٢٠١٦ لوجود العديد من المشاكل التقنية وأخرى متعلقة بحوكمة وتنفيذ المشروع والتي زادت القلق حول وصول بيانات الملايين لجهات لا يفترض لها الحصول على هذه البيانات (مثل المزاعم حول حصول Google DeepMind على بيانات أكثر من مليون ونصف مريض ومشاركة بيانات المرضى مع وزارة الداخلية للتعرف على المهاجرين الغير شرعيين).

لكن لماذا هذه الخطوة رغم خطورتها؟

بغض النظر عن احتمالية نجاح أو فشل هذا المشروع (GPDPR)، إلا أن إصرار النظام الصحي على توفير آلية وبيئة مناسبة لمشاركة بيانات المرضى مع جهات خارجية محددة بالرغم من الفشل السابق ووجود العديد من المعارضات يوحي بأهمية هذه الخطوة للنظام الصحي حيث إنه سيمكن النظام من الحصول على العديد من الخدمات، الاستشارات والبحوث المجانية والتي تهدف لرفع كفاءة الخدمات والرعاية المقدمة للأفراد. وبالنظر للوضع الحالي في السعودية حيث إننا على مشارف إطلاق الملف الصحي الموحد للمرضى على المستوى الوطني والذي سيمكن من جمع بيانات المرضى وتفاصيل الرعاية الصحية المقدمة لهم، فإنه يجب الالتفات لكيفية وماهية مشاركة هذه البيانات مستقبلاً مع الجهات البحثية والإستشارية المتعددة لرفع كفاءة الخدمات الصحية المقدمة للمرضى وفهم بعض الظواهر الصحية في المملكة بشكل غير مكلف على النظام الصحي، خصوصاً وأن هناك جهات مختصة في هذا المجال، مثل المركز الوطني للمعلومات الصحية ومكتب إدارة البيانات الوطنية.

اظهر المزيد

عبدالعزيز المنيع

دكتوراة في علم المعلومات من جامعة شيفيلد بالمملكة المتحدة. اكاديمي بقسم نظم المعلومات في كلية علوم الحاسب والمعلومات بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى